المقالات

حضر العيد وغاب الوطن

1194 2022-10-06

حمزة مصطفى ||

 

لم تتمكن أنظمة الحكم طوال 100  عام من عمر الدولة العراقية و90 عام على نيل الإستقلال بين قوسين من الاتفاق لا على اليوم الوطني ولا النشيد الوطني ولا العلم الوطني. كل هذه المسميات والعناوين تغيرت من 4 الى 5 مرات طوال هذا التاريخ الذي يمتد الى قرن كامل. لماذا؟ لعل هذا السؤال من أبسط الأسئلة من حيث الطرح  لكن أعقدها من حيث الإجابة. والسبب يكمن  في مفهوم الدولة من حيث التأسيس والهوية ونوع أنظمة الحكم. من حيث مفهوم الدولة فإن العراق الحديث كان تحت الإنتداب البريطاني منذ دخول البريطانيين العراق "محررين لا فاتحين" على "كولة" الجنرال مود عام 1917 الى دخوله عصبة الأمم عام 1932 وبالتالي يفترض إنه نال إستقلاله بدء من يوم دخوله في الثالث من تشرين الأول من ذلك العام. لكن هل خرج العراق من الهيمنة البريطانية بعد هذا التاريخ؟ الوقائع والأحداث تقول غير ذلك برغم أن العهد الملكي الذي بقي مدينا للإنكليز في تأسيس نظام حكمه وبالتالي الإسهام في مجئ ملك غير عراقي على العراق تمكن نسبيا في الأقل من بناء تجربة ديمقراطية من خلال تنافس بين أحزاب.

  في العهد الجمهوري الذي بدأ منذ عام 1958 حتى اليوم تغيرت أنظمة الحكم من عسكرية سرعان ما تناوب خلالها العسكر أنواع الإنقلابات الناجح منها والفاشل الى شمولية إمتدت من 1968 الى 2003 عندما إحتلت الولايات المتحدة الأميركية العراق حيث أصبح نظام حكمه الحالي ديمقراطيا. وطبقا للعديد من الكتاب والمؤرخين فإنه إذا كانت هناك نسخة بريطانية للعراق فإن حقبة مابعد 2003 مثلت النسخة الأميركية. وبصرف النظر عن طبيعة النسختين الأجنبيتين اللتين فرضتا على العراق فإن السؤال الهام الذي يبقى مطروحا وربما بدون إجابة هو أين هي النسخة العراقية للعراق. بمعنى أين هي المواطنة العراقية. أي الهوية الوطنية العابرة والجامعة على الهويات الفرعية سواء كانت قومية أم دينية أم مذهبية. ولعل التجلي الأكبر لهذه الإشكالية التي تتصل بالهوية هو إعتماد يوم 3 تشرين الأول عيدا وطنيا للعراق. الكثيرون يتساءلون عن فحوى إختيار هذا اليوم دون سواه لاسيما هناك خلافات بشأن هذا اليوم لجهة الإتهام بأن دخول العراق عصبة الأمم لايعني الإستقلال الكامل. إذن هل هناك رمز وطني أو ديني أو قومي يمكن أن يجمع عليه العراقيون؟ الخلاف هنا سيد الموقف. الأمر نفسه ينطبق على العلم المختلف عليه وعلى النشيد الوطني المتنازع عليه.   

إذن لدينا إشكالية في هذا السياق. لكن هل هي إشكالية سياسية أم إجتماعية أم فكرية؟ وهل إشكاليتا هذه بصرف النظر عن عائديتها ترتقي أن تكون أزمة هوية؟ أم أزمة وطن؟ ربما هناك من يرى أن الهوية وإن تتقاطع طبقا للإنتماءات دينية كانت ام عرقية أم مذهبية لكنها تبقى أهون من أن تكون أزمة وطن. بمعنى إننا لم نفق على الوطن لكي ننسجم على صعيد الهويات. ولعل التجلي الأكبر لهذا الإشكال المهول والمرعب هو ما نادى به ثوار تشرين عام 2019 حين رفعوا شعارا واحدا أول الأمر قبل أن تتشظى المطالب والتوجهات والمسالك وهو "نريد وطن". ولأن لدينا دولة إسمها العراق وهو جمهورية معترف بها من قبل الأمم المتحدة وعضو مؤسس في الجامعة العربية ولديها هيئة حكم كاملة ووزارات ومؤسسات وتوزع رواتب بمليارات الدولارات وتنفق مثلها على البطاقة التموينية لملايين من العراقيين ولديها كهرباء بقطع مبرمج تسمى الوطنية فإن السؤال الإعتراضي هنا أين الإشكالية إذن؟ لماذا تبحثون عن وطن؟ في تصوري أن المشكلة هنا هي ليست في هوية العراق ولا في ثرواته ولا في خريطته الجغرافية أو السياسية وإنما في أزمة الحكم الرشيد. العراقيون يبحثون عن حكم رشيد فقط. فهم يمتلكون كل مايؤهلهم لأن يكونوا دولة مهمة بما تمتلكه من ثروات وطاقات وإمكانيات وموارد لكن ينقصهم الحكم الرشيد, بل الرجل الرشيد. وهذه إشكالية كبرى جعلت العراقيين يحيون عيدهم الوطني على إستحياء باحثين عن الوطن الغائب في يوم عيده.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك