حيدر الجزائري
في قرية بيت عوفي بالقرب من نهر العز شمال البصرة، ومن بيوت الطين والقصب التي يعلو منها اصوات حيوان الجاموس، يودع طالب الصف الأول الابتدائي (مسلم العوفي) أهله وأخوته، وقد احتضن أمه باكيا لألم مفارقتها، وقد شيعته عيونها وهي تناجي الله تعالى بأن يحقق أمنية طفلها ليصبح طبيبا او معلما او أكبر من ذلك.
أدار ظهره للقرية، وقد حمل بيده اليمنى حقيبة دراسته، وبالأخرى صرة ملابسه، متجها لقرية "الخيسات" التي تبعد نحو 15 كلم ليقضي فيها 5 أيام من كل أسبوع بغية إكمال دراسته.
صحيفة "العالم" زارت قرية بيت عوفي، كأول وسيلة إعلامية رغم المخاطر، وطول الطريق بينها وبين مركز البصرة، وتحدثت مع "مسلم" وحيد "فضالة العوفي"، الطالب في الصف الأول الابتدائي، وهو يحدثها قائلا "ادرس في مدرسة التودد الابتدائية في قرية حميان (في ناحية الثغر التابعة لقضاء القرنة)، بعد تهديم مدرسة قرية الهدامة لاعادة بنائها، المسافة بعيدة جدا، ولكني أحب المدرسة، وحتى في أوقات استراحتي ونزولي الى أهلي يومي الجمعة والسبت، أحضر واجباتي اليومية، أما بقية أيام الأسبوع والدراسة فأبقى برعاية أخوالي في قرية حميان، واشتاق الى اهلي واخوتي وبيتنا طوال الاسبوع".
ويضيف الطفل "أريد أن أتعلم وأصبح طبيبا في المستقبل لمعالجة اهلي حين يمرضون، وكذلك اعالج المواشي، وأعلم أخوتي وجيراني، لأنهم تركوا المدرسة، وبقوا محرومين من الدراسة، لأن (ماكو) مدرسة، وأنا سأعوض عنهم لأننا أبناء الريف أذكياء".
بدوره، يطالب أحمد فضالة عم الطالب مسلم، في حديثه مع "العالم" أمس، "ببناء مدرسة للقرية لنعلم أبناءنا، ولنبني لهم مستقبلا افضل، إذ أن القرية لا تمتلك أية مدرسة سواء للمرحلة الابتدائية أو المتوسطة، أو أي شيء له صلة بالعلم والحضارة، ولا حتى مركز لمكافحة الامية".
ويتابع أن "القرية فيها أكثر من 600 بنت وولد بحاجة إلى تعليم، وهم الآن تحت وطأة الأمية ويحنون للدراسة، ودخول المدارس، والتعلم كأقرانهم من بقية الطلاب، إذ أن أقل بيت لديه 3 ابناء في سن الدراسة جالسين في بيوتهم، يرعون الدواب ويساعدون آباءهم في هذه القرية الفقيرة".
ويشير إلى أن "البيت الوحيد الذي أرسل ابنا الى مدرسة في قرى اخرى هو بيت وحيد فضالة، ليدرس في قرية "الخيسات" التي تبعد نحو 15 كلم تقريبا، ويسكن في أثناء الدراسة مع أخواله هناك، ويعود إلى أهله يومي الجمعة والسبت، وكأنه جندي".
ويوضح عم الطفل مسلم "نرسل (مسلم) مع كتبه وملابسه لفترة 5 أيام، والقرية تودعه والاهل، وهذا أمر محزن، وصعب علينا فراق الابن من اجل الدراسة، ولا نعلم ما يحل به هناك"، مبينا أن "الاخ الأصغر لمسلم باشر معه بالدراسة، لكنه بعد شهر لم يتحمل الفراق، وترك المدرسة".
ويبين فضالة، أن "القرية يبلغ نفوسها نحو 4 آلاف نسمة، وجميعهم مسجلون في نفوس البصرة، ولا يوجد فيها موظف أو عامل خدمات، ولا حتى موظف في الشركات النفطية العالمية التي تحيط بنا، وتستثمر حقول غرب القرنة ومجنون، حيث يذهب كل شبابنا الى اسواق البصرة والعشار ليعملوا بـعربات مستأجرة ويبيتوا في الشوارع رغم البرد".
من جانبه، يذكر ابو محمد العوفي، (55 عاما)، ويعمل في رعي المواشي، أن "القرية تعتمد بمواردها على ماء نهر العز والاهوار والطيور والاسماك، التي غابت بسبب جفاف المياه وموت الزراعة والحشيش الذي يعد عذاء المواشي".
ويشير الى أن "هذه القرية ليس فيها عضو مجلس بلدي ليطالب بحقوقها، وسكانها بسطاء، فقراء، أميون، والمجلس البلدي موجود في ناحية الثغر التي تتبع لها القرية، وتبعد بحدود 15 كلم، والناحية وحدها يشهد لها بالخدمات والطرق المعبدة، والمدارس والمراكز الصحية والماء والمجاري والاهتمام، أما قرية بيت عوفي، وبقية القرى الأخرى الموجودة في نهر العز فهي منسية".
إلى ذلك، يؤكد علاء هاشم البدران، عضو لجنة انعاش الاهوار في مجلس محافظة البصرة، لـ"العالم" امس، أن "القرية شملت ببناء مدرسة شيدت في مراحلها الاولية ضمن خطة العام 2008، لوزارة الدولة لشؤون الاهوار المنحلة، لكن الشركة المنفذة توقفت عن العمل لأسباب أمنية"، كاشفا عن "مساع وجهود لإعادة العمل والمباشرة بها قريبا".
اما غانم عبد الامير المالكي، نائب رئيس لجنة التربية والتعليم في مجلس البصرة، فيوضح لـ"العالم" أمس، "اذا لم تكن هناك أية مدرسة، فسنحاول ادراج مشروع لها بهذا الشأن".
https://telegram.me/buratha